قد تبدو الإشارات والإيماءات التي ينفذها ممارس لغة الإشارة، المحصوّر ضمن مربعٍ صغير أسفل نشرة الأخبار، حركات عبثيّة وغير مفهومة بالنسبة لعامة الناس، لكن الأمر مختلفٌ بالنسبة من يعاني إعاقةً سمعية. وبخلاف الاعتقاد الشائع، ليس بالضرورة أن يكون الإنسان أصمّاً حتى يحتاج أو يرغب في تعلّم لغة الإشارة، فقد تأتي رغبته استجابة لحاجة في التواصل مع أحد أفراد أسرته أو مع صديق عزيز أو شريك. ولهذا، سيضيئ المقال الحالي على حقائق وتفاصيل مجهولة ترتبط بلغة الإشارة، وتحديداً تلك التي تمارس ضمن سوريا.
رغم مقدرة الأستاذ علي اكريم، مؤسس مشروع “عكّازة”، على السماع والكلام لكنه اختار أن يدّرب لغة الإشارة وينشرها على أوسع نطاق ممكن. يُشبّه علي اكريم لغة الصم، بلغة متداولة ضمن “ضيعة” صغيرة. ويقول أيضاً بأن هناك إشارات يتم اعتمادها لتعبّر عن أشياء محددة لكن هذا لا يمنع ابتداع إشارات أخرى كثيرة تختلف باختلاف أصحابها لتعبّر عن الشيء ذاته. فعلى سبيل المثال ورقة الخمسمائة ليرة السورية القديمة قد تمتلك عشرات الأسماء بلغة الإشارة كـ “الورقة الرمادية” أو “ورقة الفتاة أم الطربوش” أو حتى: “الورقة التي يكدسها أبوك”. فبعض تلك الكلمات تحمل طابع السخرية أو تكون مبنية على عنصر معيّن لفت انتباه الشخص الأصم وجعله يخترع إشارة للتعبير عنه.
يأسف علي أيضاً لحقيقة أن نسبة قليلة جداً من عائلات الأشخاص المصابين بالصمم قادرة على التحدث بلغة الإشارة. فباعتقاده من بين كل 100 عائلة تحوي شخصاً أصماً نجد شخصاً واحداً ضمن عائلته قادرٌ على ممارسة هذه اللغة. يلحظ السيد علي أيضاً أن الكثير من إشارات لغة الإشارة في سوريا مستمدة من البيئة والثقافة السورية. ولشرح ذلك يعطينا مثالاً عن أسماء أيام الأسبوع؛ فالسبت يدلل عنه بإشارة تشير للدين اليهودي، والأحد بإشارة للدين المسيحي، والاثنين هو يوم الحلاقين، والثلاثاء هو يوم حكم العدالة نسبة إلى البرنامج الإذاعي الشهير الذي كان يذاع في كل يوم ثلاثاء، والأربعاء هو يوم الصحة المدرسية والخميس هو يوم الحمام والجمعة هو يوم الصلاة. والطريف في الموضوع ملاحظة الفروق بين المحافظات السورية في بعض الإشارات، ففي حين يتم الإشارة إلى البامية في دمشق بالاستناد إلى الشكل الذي يتم فيه “تقميعها”، تمتلك البامية في حلب اسماً آخر مستمداً من لعبة اخترعها الأولاد الصغار هناك وتسمى وحش لبامية حيث يقومون بإلصاق رأس النبتة اللزج بعد قصه على جبهتم.
أما هدى هيثم محمد، وهي أولى فتاة صماء سوريّة استطاعت نيل درجة الماجستير في الارشاد الاجتماعي، لتعمل أيضاً في رئاسة جامعة دمشق وتشغل منصب رئيسة مشروع “لغتي إشارتي”، فترى أن نشر لغة الإشارة هو حق من حقوق الصم وأن احترامها أمرٌ ضروري. تشير هدى إلى أمر قلما يعرفه الآخرون عن لغة الإشارة المتمثّل بكونها لغة غير موحدة بكل العالم وتختلف حسب ثقافة وتطور كل بلد، فعلى سبيل المثال لغات الإشارة في بريطانيا وأمريكا مختلفة على الرغم من أن البلدين يعتمدون اللغة الإنكليزية كلغةً رسمية.
في حين يشاركنا حسن خازم الذي يعمل كمصمم أزياء ببعض الأفكار التي يرغب أن يعرفها الناس عن لغة الإشارة إذ يكتب لنا موضّحاً: “لا يوجد معادل في لغة الإشارة لجميع كلمات اللغة العربية، وهذا ما يدفعني لاختراع كلمات جديدة في مجال عملي كمصمم أزياء وكذلك الأمر في أي مشروع أو أي دورة قد أشارك بها. ويضيف حسن بأنه ينزعج حينما يظن الناس بأن لغة الإشارة هي مجرّد “شوبرة” أو حركات اعتباطية، فهي من وجهة نظره لغة لها قواعدها ومعانيها.” وحينما نسأله عن كلمته المفضّلة في لغة الإشارة يجيب بأنها كلمة “وعي” ويقوم بأداء الحركة أمامنا فنراه يقرّب إصبعيه من رأسه مشيراً إلى دماغه ومن ثم يباعد بين الأصبعين لنرى المسافة بينهما تتسع، تماماً كما يحصل حينما يزداد وعي الإنسان وتتسع مداركه. والذي يتابع عمل حسن سيفهم سبب اهتمامه بهذه الكلمة تحديداً، فهو وسبق أن جرّب إدخال لغة الإشارة ضمن أزياء وملابس قام بتصميمها، لنشر الوعي حول هذه اللغة.
في المحصلة قد لا تكون لغة الإشارة مُتسعة كاللغة المنطوقة، لكنها لغة ذكيّة وحيوية وقابلة للتطوّر، كما أنها ترحّب بالجميع للتجريب واختراع كلمات قد تغدو يوماَ ضمن القواميس المعتمدة لهذه اللغة.
كتابة: نور أبو فراج | نشرت في موقع شباك سوري