لطالما حلمت بالذهاب إلى أحد المولات والتسوق بمفردي، قد يكون الأمر عادياً بالنسبة للبعض ولا يستحق التفكير فيه، لكنه بالنسبة لي كان شبيهاً بالمشي في حقل ألغام، فالمولات مليئة بالمنتجات والستاندات في كل مكان، مما يجعلها تحدياً صعباً لأي كفيف يعتمد على نفسه.
دخلت المول مستعيناً بعصاي، فأوقفني أحد الموظفين ليسألني إن كنت أعلم أين أتجه، أجبته بتردد: “نعم، ولكن هل يوجد شخص يستطيع مساعدتي في قراءة الأسعار؟” فاستغرب سؤالي وأجاب بدهشة: “هذا المول لا يلبي احتياجاتك، يمكنك الذهاب إلى إحدى الجمعيات الخيرية”! استجمعت قوتي حين حاول إخراجي من المكان وأكملت طريقي متجاهلاً كلامه.
كنت أواجه تحدياً في الوصول لأن المكان واسعٌ جداً وليس مجهزاً بإرشادات تساعد المكفوفين، فتدخل بعض الأشخاص لتوجيهي نحو الأماكن المطلوبة. ثم قصدت الطابق الأرضي حيث توجد المطاعم، وسألت أحدهم عن قائمة الطعام فأعطاني إياها. قلت له: “هل توجد واحدة بلغة برايل؟” فضحك وقال: “هذا يلي عنا، عجبك عجبك، ما عجبك شوف غيرنا”.
فذهبت باتجاه مطعم آخر، ولكن فجأة عمّ الصمت، ليعود صاحب المطعم معتذراً: “تفضل، تفضل بالجلوس، أنتم ذوي الهمم تعطونا دافعاً في الحياة”. تساءلت عما حدث وهل أدرك أنني كفيف، أم أنه كان يعتقد غير ذلك؟ سألني عن رغبتي في تناول شيء ما، وبدأ بذكر أسماء الوجبات، ثم جاء شخص آخر وقدم لي بعض الضيافة، فاعتقدت أنه أدرك خطأه ..
بعدها سمعت همساً قريباً يقول: “احذروا، إنه من هيئة التموين وحماية المستهلك، الله يمضي هاليوم على خير”، وعلى الفور بدأ أصحاب المطاعم في تقديم عينات من الطعام والحلويات بشكل مجاني، كما لو كانوا يكرمون شخصاً ذا منصب عالٍ، حينها شعرت بحالة من الإرباك والخوف تعمّ المكان.
أمسكت عصاي وتوجهت إلى الخارج وسط ذهول من حولي، فلم أكن قادراً على متابعة ما جئت لأجله. وتأكدت بأن الكثير من الناس يضعون افتراضات مسبقة وينسجون الكثير من القصص والسيناريوهات الغريبة قبل التعامل مع الشخص لمجرد أنه كفيف.
في النهاية ذهبت إلى البقالية البسيطة أسفل منزلي واشتريت ما أحتاج إليه بكل راحة وهدوء.
تجربة: مالك سليمان