المشهد الأول – خارجي/نهاري
الطفل بصوت عالي: ماما شوفي هي شو حاملة بإيدها!
الأم: بس ماما عيب.. حرام قلها الله يشفيكي..
المشهد الثاني – داخلي/نهاري
الطفلة: ماما شوفي هي كيف عم تمشي!
الأم: هاد لأنو ما بتسمع كلام أهلها، هيك صار فيها..
تلك هي الحوارات التي سمعتها سلمى عندما كانت بعمر العشر سنوات، حين ذهبت مع صديقتها لشراء البوظة من الدكان المجاور، لتعود الطفلة إلى منزلها حزينة، متسائلة عن الذنب الذي اقترفته وتسبب لها بإعاقة حركية، وعكازين ملازمين لها طوال حياتها.
أغلقت الباب على نفسها لتذرف دموعاً كانت قد حبستها طويلاً، مستذكرة نظرات الأطفال الفضولية وهمساتهم كلما التقوها: “ييي يا حرام.. ماما قالتلي هي ما أخدت الدواء مشان هيك مرضت.. لا لا أمي قالتلي لأنها ما كانت تشرب حليب صار فيها هيك.. خلص خلص ما تحكوا قدامها عيب..”
ورغم أنها لم تكن المرة الاولى التي تسمع فيها سلمى مثل هذه الكلمات، إلا أن تعاطف صديقتها التي كانت معها هذه المرة هو ما أشعل شرارة حزنها، حيث بدأت تتحدث إلى سلمى بصوت مرتفع محاولة تشتيت انتباهها عمّا يقوله الأطفال بعد أن تسللت نظرة الحزن إلى عينيها هي أيضاً.
قبل بضعة أيام أتمت سلمى الثلاثين من عمرها، ومازالت تستمع لنفس التساؤلات من الأطفال الفضوليين بطبعهم، وبكل أسف نفس الإجابات من الأهل حول عكازيها وطريقة مشيتها المختلفة .. وبصرف النظر عن مساوئ هذه الآلية التقليدية في التربية، وما تتركه من أثر سلبي على نفسية الطفل، فإن أثرها على الشخص المعني يكاد يكون كارثياً.
اليوم باتت سلمى أكثر قوةً ووعياً، وأصبحت هي من تبادر للابتسام في وجوه الأطفال المستغربين حالتها، وتسمح لهم في كثير من الأحيان بإمساك عكازيها، لتجيب عن أسئلتهم العجيبة، محاولةً أخذ دور الأهل بكسر حاجز الاستغراب ونشر التوعية حول مفاهيم الإعاقة في عوالم الأطفال الخيالية، مدركة أن الأهل في مجتمعنا يقومون بالكثير من الأخطاء التربوية.
ربما لن يتوقف الصغار عن طرح أسئلتهم الفضولية، لكن سلمى تتمنى أن يتوقف الأطفال من ذوي الاعاقة عن الدخول إلى غرفهم والبكاء وحيدين كما كانت تفعل هي!