قدمت لنا إحدى الجهات الخاصة حواسب محمولة تستقبل قارئات الشاشة (وهي برامج تُمكّن المكفوفين وضعاف البصر من استخدام الكمبيوتر أو الموبايل عن طريق نطق محتويات الشاشة)، بعد أن أدرك أحد أفرادها أهمية ذلك في حياة المكفوفين، من خلال تفاعله معنا في العديد من مجالات العمل والدراسة والتواصل.
غير أن فريقه الإداري كان غير مؤمنٍ بتلك الفكرة، بل كان يشكك في جدوى هذا التبرع، وقد بدا ذلك جلياً يوم رافقت عدداً من المكفوفين لاستلام تلك الأجهزة؛ يومها طلبوا مني اصطحاب حاسبي وجوالي ثم استدعاني الممول إلى مكتب جانبي قبل بدء عملية التسليم..
هناك طلب مني العمل على الحاسب والجوال وهو يتابع مهارتي في استخدامهما وسرعتي في التواصل عبرهما، لكن المفاجأة التي هزت كياني حين توجه إلى زملاءه الذين لم أشعر بوجودهم مسبقاً في ذلك المكتب المحايد، ليقول لهم: “طيب مو حرام نحرم هدول الأشخاص من هي الأجهزة، وهنن بحاجة كبيرة إلها”
عندها أدركت نيته لأن يثبت لزملائه أهمية قراره، بعد معاتبتهم له على منحنا تلك الأجهزة، وفق مبررات واهية عن عدم استفادتنا منها وتأكيدات عاجزة بأن السلل الغذائية والمساعدات المالية هي همنا الوحيد وغايتنا القصوى!
قلت في نفسي وقتها “كيف يقتنع هؤلاء بأن الذي فقد أسنانه يمكن أن يعوضها بفك صناعي ليتابع التهام طعامه، بينما لا يجوز لمن فقد بصره أن يستفيد من حاسب أو جوال ليتابع حياته في البحث والتعلم والعمل مثل غيره!!”
كم كانت قاسية علينا هذه المقاربة!
كتابة: أ. ممدوح ديبو