ذات يوم من أيام الشتاء البارد، وبعد انتهاء دوامي في المعهد الذي أدرس فيه البكالوريا، تجهزت للعودة إلى المنزل مع مرضي الذي يعرف بالحثل العضلي، خرجت إلى الشارع فرأيتُ مجموعة من العمال ينقلون الاسمنت إلى سطح بناية كبيرة في طور البناء، وسط الكثير من الرمل والبحص الذي دحرجه المطر ..
أصوات العمّال والسيارات تنادي للجميع بالابتعاد عن الطريق الضيق، مشيت وصديقتي للوصول إلى سيارة والدها التي كانت بأسفل الشارع، ولكني فجأة فقدت السيطرة على قدميَّ وبدأت أتدحرج على الطريق وأنا أصرخ بطريقة غير واعية وسط دموعي المنهمرة ..
الألم يشتدُّ بيَّ والبحص يجّرح جسدي، وشعور الخجل يتضاعف في داخلي من الجميع؛ كانت لحظات سيئة ومشاعر شتّى تأخذ بي إلى البكاء؛ وقفت صديقتي حزينة لتساعدني على النهوض لكنّها فشلت؛ تركتني مستلقية على الأرض وركضت مسرعة تنادي المديرة والمعلمين طلباً للمساعدة!
في تلك الأثناء خرج الطلاب من مدرستهم إعلاناً بانتهاء الدوام، وبدأوا يتغامزون ويضحكون ويستفسرون لماذا أبدو هكذا؟ وما الذي يمنعني من القيام؟ هل جننتُ وآثرتُ النوم تحت المطر في الشارع؟ الكثير من الغصات حتى تمكنت المديرة والمعلم من القدوم ومساعدتي.
نهضت والوحل ملأ ثيابي وحقيبتي التي كانت قد فرّت من يدي وتلطخت بالتراب والماء .. رسمتُ جاهدةً ابتسامة ع وجهي مع بعض كلمات الشكر.
قالت لي المديرة: “لا بأس من هذا؛ المرور بالصعاب يجعلنا أقوى وأكثر خبرة في الحياة.. كوني أقوى ولا تجعلي هذا الموقف البسيط يمنعك من التفكير في أهدافك التي تسعين إليها كل يوم؛ هذه الأهداف هي الجمال في حياتك وعندما تنظرين إليه فإن القبح يختفي؛ عندما تعيشين الحياة ببهجة، فإن الحزن يختفي” كانت كلماتها دافعاً إيجابياً لطيفاً لامس قلبي.
وصلت إلى المنزل تحدثت لأهلي عن الموقف بإيجابية دون الاكتراث لما حدث، تابعتُ دروسي وأخذت أدويتي وتهيأت لليوم التالي.
فالحياة لا تخلو من الصعاب، لكن بالإرادة القوية والأمل بالله والتفاؤل والرضا والقبول لكل ما يحدث ستغدو الحياة أجمل وأفضل، فأنا أؤمن بأن “كل شيء سيكون على ما يرام في النهاية .. وإن لم يكن كذلك، فهذه ليست هي النهاية.”
كتابة: يارا إبراهيم