في يوم عطلتي الأسبوعية من العمل، خرجت برفقة أختي لنستمتع بالطقس الربيعي اللطيف، وبعد بضع خطوات اعترضَنا صوتٌ يستجدي بعض النقود، نظرنا نحوه فإذا به رجلٌ في أواخر الثلاثينيات ولا يشكو من أية علة غير أنه يلبس ملابس رثة قليلاً لضرورات العمل الذي يقوم به ويمثِّل العَرَج لا أكثر!
بدأ يستجدي عطفنا بعبارات “من مال الله يا محسنين .. الله يرد عنكن يا رب”، فحاولنا تجاهله قائلين “الله يعطيك يا أخي” وتابعنا سيرنا، غير أنه أصر على الطلب بقوله “حسنة لهالعاجز المسكين”، وهنا نظرت لي أختي والابتسامة الساخرة تملأ وجهها وعلامات الاستغراب تنطلق من عينيها.
وقالت له بتعجب: “هل حقاً ما تقوله؟ ألا ترى ما أعطاك الله من صحة وعافية؟ أولست منتبهاً أنك تتسول من شاب يمشي على عكازين، غير أن الفرق بينكما أنه يواصل العمل ليلاً نهاراً ويكسب قوته بتعبه وجهده رغم وضعه الصحي الذي لم يقف حاجزاً أمام حياته، بينما أنت قد أعطاك الله العافية ولكنك ادّعيت المرض واستسهلت طلب المساعدة من الآخرين، ولم تفكر أبداً أن تتعب نفسك بالبحث عن عمل كريم تكسب منه المال وتكفي به نفسك وأسرتك وتصون به ماء وجهك”.
تركناه وقد اكتشفنا سبب توجه بعض الناس نحوي بالطريق ومحاولة إعطائهم لي بعض النقود، حيث ارتبطت صورة الإعاقة بالتسول بسبب هذه النماذج، وأصبح الناس ينظرون إلى الأشخاص ذوي الإعاقة على أنهم غير قادرين على إعالة أنفسهم، وتجاهلوا أن هناك الكثير من هؤلاء الأشخاص كافحوا واجتهدوا للوصول إلى مكانة علمية واجتماعية مرموقة، وكذلك منهم أصحاب مهن وحرف يدوية وصنّاع ماهرون، وفي الحقيقة فإن هذه النظرة الدونية من المجتمع حفزت ضعاف النفوس على أن يتقمصوا حالتنا الصحية، ليمارسوا أعمال التسول ويشهّروا بنا بصورة سيئة للغاية.
كتابة: محمد رشيد حسن