لطالما أردتُ أن أمشي مسافة دون أن تؤلمني قدماي وأتعب، ودون أن أحتاج لأحدٍ يمشي بجانبي دائماً، وها قد حصلتُ على كرسيّ كهربائيّ من إحدى المنظمات.
المرة الأولى التي خرجت فيها إلى الشارع وحدي، مشيتُ إلى جانب الطريق بحذر وسرعةٍ متوسطةٍ، لم أكن أشعرُ بالخوف إنما هناك بعض الارتباك عند مرور السيارات بجانبي، وبعض الخيالات المضحكة عندما قطعتُ الطريق وسيارتا شحن كبيرتان تمران أمامي، ياه كم كبيرة هذه الدواليب، لو صدمتني سأصبح قطعاً متناثرة، كرسيّ ودولابٌ هنا وبطاريةٌ هناك، والناس تتجمع كلقطةٍ من فيلم رعب! أتخيل بأن سائقو الشاحنات يخافون مروري أمامهم، ورغم أن هذا الخيال مخيف، أضحك وأستمر.
كان بعض الناس في بادئ الأمر يبدون استغرابهم، والبعض الآخر يبتسمون لي ونتبادل السلام، كوني معروفة عندهم بسبب صفحة مدينتي التي أديرها على الفيسبوك، والتي يتواصلون معي من خلالها، وأنشر الأخبار والخدمات عبرها.
في المرات المتتالية التي خرجتُ فيها بدأت أعتاد الأمر، وأصبحت قيادة الكرسي أكثر سهولةً، حفظت المطبات والحفر في الطرقات، وصار الناس يألفون مروري، فألقي السلام على المرأة المسنة التي تجلس عند مدخل بيتها كل يوم، لترد عليّ بابتسامة مع أنني لم أكن أعرفها، وعلى أم أحمد التي تنظف باب منزلها، وحتى الأطفال الذين يلعبون في الشّارع.
صرت دائماً ألتقط الصور للأحياء والشوارع في مدينتي، وصورُ الغروب والمطر والأشياء التي تلفتُ نظري بكاميرا جوالي لاحتفظ بها.
لكن بقيتْ هناك الكثير من العقبات التي تعترضني كالرصيف العالي، والأماكن التي لا تحوي مكاناً مخصصاً للكراسي، فإذا أردتُ أن أشتري شيئاً عليّ أن أستعين بأحد المارة ليوصله لي أو بالبائع نفسه، وإن أردتُ حضور نشاطٍ في المركز الثقافيّ مثلاً، لا يمكنني الدخول إلى القاعة وحدي، أو إذا أردت الحصول على ورقة من دائرة رسمية، وقف الدرج كجبلٍ عالٍ أمامي.
على الرغم من المواقف التي صادفتها وكان بعضها صعباً ومؤلماً، إلا أن جزءاً من أمنياتي تحقق، بالسير وحدي دون مرافقة أحد لمسافةٍ طويلة، كنت أقطع حوالي ثلاثة كيلومترات وأنا أتجول وأشعر بالسعادة لهذا الجزء من الحرية الذي أحسّه، والمختلفُ عن ملازمة المنزل والتقيّد بوجود شخصٍ يساعدني على المشيّ أو عدد محدد من الأمتار التي أتعبُ بعدها، أو سيارة تقلّني.
هذا الشعور الذي أتمنى أن يتمتع به كل شخص من ذوي الإعاقة الحركية بحصوله على معداتٍ وبيئةٍ مهيأةٍ، بيئة يسهل فيها الوصولُ إلى المدارس، الجامعات، أماكن العمل، والأماكن الترفيهية، ومحيطٍ يعتبرُ وجوده أساسيّاً، فنحن جزءٌ من هذا المجتمع ولا بد لنا أن يكون لنا مكاناً فيه.
كتابة: إيناس حورية