في يوم صيفي مشمس بينما كنت عائداً من العمل، خطر لي أن أعرِّج على الحلاق قبل دخولي المنزل، وفعلاً مررت بصالون الحلاقة الذي يقابل منزلي، وأثناء جلوسي على كرسي الحلاقة بدأ الحلاق يتجاذب معي أطراف الحديث كالعادة، فالصفة العامة للحلاقين والملتصقة بهم هي فتح الأحاديث من باب تسلية الزبون، رغم أنني أراها تدخلاً بشؤون الآخرين دونما مبرر، ولكنني اضطررت أن أسايره وأجيبه على أسئلته المتراشقة يميناً ويساراً دونما أخذ نفس أو استراحة.

هل تستخدم العكازين لإصابة بحادث أم أنها إصابة حرب، فأجبته أنها إصابة منذ الولادة، مما زاد في طرح أسئلته، وهل من المعقول أنهم لم يجدوا لك علاجاً مناسباً رغم تطور العلم؟ فأجبته بأن حالتي مختلفة بسبب إصابة بالعمود الفقري ولا جدوى ترجى حالياً من العمل الجراحي ولم يتوصل الطب لحل المشكلة.

فتابع أسئلته بعيداً عن المرض: وبماذا تتسلى خلال النهار؟ فأخبرته بأني خريج جامعي ولدي العديد من الدورات العلمية الملتزم بها لزيادة معارفي ومهاراتي، وبعض الأنشطة الاجتماعية والثقافية التي أحب حضورها من وقت لآخر كالمسرح ودار الأوبرا والمراكز الثقافية.

فقاطعني بسؤال آخر: أراك تخرج يومياً في الصباح الباكر وتعود وقت الظهيرة بشكل منتظم، إلى أين تذهب؟ فأجبته بأني أعمل وأذهب كل يوم إلى وظيفتي .. عندها كانت اللحظة الأكثر تعجباً ونظرات الحيرة قد ملأت وجهه، وقال لي بكل دهشة: “منيح شغَّلوك عندهم!”

لم أدرك وقتها معنى كلامه ونظرته الإستخفافية بقدرات الآخرين، وكأن ذاكرته مُسحت فجأة ونسي كل ما قلته له سابقاً عن حياتي واهتماماتي وشهاداتي الجامعية! بالتأكيد لم “يشغلوني عندهم” شفقةً بي ورأفةً بحالي، فكل عمل يحتاج إلى مؤهلات وكفاءات محددة، وما جعلني أشتغل هو خبرتي ودراستي الأكاديمية وتعب السنين في الجامعة، والتعاطي مع المحيط وكل المعوقات التي تجاوزتها لكي أصل إلى ما أنا عليه اليوم!

ما كان مني حينها إلا أن ضحكت ساخراً وقلت له: شايف بالله! عن جد منيح شغلوني.. نصيب شو بدك تعمل هههههه.

وهنا لاحظت بأن الناس يربطون العقل بالعكازات، من دون سبب واضح، فما دخل إصابة حركية لسبب من الأسباب بقدراتي العقلية وإمكانياتي العلمية، هناك أمثلة كثيرة في المجتمع لأشخاص لديهم مشاكل حركية ولكنهم عباقرة ومخترعون وأدباء ومفكرون .. فإلى متى ستظل نظرتنا للآخرين مبنية على الشكل والملابس والقشور.

فعلاً أحمد الله وأشكره أنهم “شغلوني عندهم” .. يا للسخرية!

كتابة: محمد رشيد حسن