“لم تكن ابنتي تتجاوز السادسة من العمر، حين اكتشفتُ وجود تأخر عقلي لديها. قبل ذلك، كنت أظنه مجرد تأخر في الكلام والنطق، كما عند بعض الأطفال، لكن الفحوصات والتحاليل كانت صادمة!”.
بهذا الكلمات، تشرح رفيقة أيوب، المقيمة في البقاع اللبناني، كيف تلقت العائلة الخبر عن حالة ابنتهم نجوى، لتبدأ بعدها مرحلة التقبّل، ثم التشخيص والعلاج، والبحث عن مراكز تقدّم جلسات حسية حركية نطقية، وعلاجاً نفسياً، لهذا النوع من الإعاقة.
استمرت والدة نجوى في تعليم ابنتها كيفية الاعتماد على النفس، وأداء المهام المنزلية البسيطة، ولكن كما تقول: “من أصعب الصعوبات تعليم طفل لديه تأخّر عقلي، فأنت تحتاج إلى تلقينه المعلومة مرات عدة، ليستطيع فهمها، أو حفظها”، ومع ذلك: “لم أكن أخجل بابنتي، بل كنت آخذها معي أينما ذهبت، لتندمج في المجتمع، وتتعرف على الناس”.
تقدّر إحصاءات عالمية بأن نحو 5% من الأطفال تحت سن الرابعة عشر، يعانون من إعاقة، وبالتالي، يقدَّر وجود 40 ألف طفل في لبنان لديهم احتياجات خاصة دائمة، في حين ترتفع هذه النسب أكثر لدى الأطفال السوريين اللاجئين، نتيجة ظروف الحرب والنزوح.
قد لا تتوفر معلومات رسمية عن عدد الأطفال الذين يواجهون “صعوبات تعليمية” تحديداً، ولكن بعض المراكز التعليمية تقدِّر نسبتهم بـ10% من التلاميذ، ويمكن تعريف هذه الصعوبات بأنها مجموعة اضطرابات تطال نمو الطفل، وتؤثر في طريقة تلقّيه للمعلومات ومعالجتها، وتظهر كصعوبات في التعبير الشفوي، وفهم الكلام، والتعبير الكتابي، ومهارات القراءة، والحساب، والرياضيات.
غالباً ما تكون صعوبات التعلم “خفية”، ومن يعاني منها لا تظهر عليه أي علامات، غير أن مهارة الطفل في بعض مجالات التعلم، لا ترقى إلى المستوى المتوقع لشخص في عمره، بسبب خلل في الوظائف المعرفية، كالانتباه أو الذاكرة القصيرة والطويلة المدى، والتنظيم المكاني، أو الزماني.
أهمية العلاج المبكر
تسعى المراكز القليلة المتوافرة في لبنان، والتي تقدّم خدمات التعليم والدعم للأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم، إلى تغطية الاحتياجات المتزايدة، على الرغم من التحديات التي تبدأ في المنزل، ولا تنتهي في المدارس.
هذا ما تشير إليه ريم قاسم، وهي معلّمة تعمل مع الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم، إذ تتحدث عن وجود العديد من طلاب المدارس في لبنان، ممن لديهم صعوبات تعليمية متفاوتة، لكن إهمال الأساتذة لهم، أو تجميعهم ضمن صفوف خاصة، أو مقاعد معينة، مع وصمهم بالكسل والفشل، يؤدي إلى زيادة معاناتهم، وتأخرهم عن أقرانهم. “معظم هؤلاء الأطفال لديهم فرط نشاط حركي، مع ضعف في الذكرة والتركيز، وبعضهم يحتاج إلى جهود بسيطة لدفعهم للاندماج في الدرس، بدلاً من تهميشهم داخل الصف”.
وتشير قاسم إلى أن تهميش الأطفال لا يقتصر على المدرسة، بل غالباً ما يبدأ من الأسرة، أو المجتمع، بسبب رفض الأهل الاعتراف بوجود صعوبات تعليمية لدى ابنهم، في سبيل تجنب وصمة الإعاقة، مما يؤثر على شخصياتهم، وثقتهم بأنفسهم. حينها، يختار الطفل الانزواء بعيداً عن محيطه، أو يزداد سلوكه العدواني. وتؤكد على أن التقبل والتشخيص المبكر، يساعدان الطفل على تحسين أدائه التعليمي، وسلوكه بين أقرانه، لأن “صعوبات التعلم تشبه أي مرض، كلما عالجته مبكراً، كلما حصلت على نتائج أفضل”.
وهذا ما كانت والدة نجوى تشتغل عليه مع الأهالي. فمن خلال جلسات الدعم النفسي التي نظّمتها إحدى الجمعيات، استطاعت أن تنقل تجربتها، ونصائحها، إلى أمهات أطفال معوقين، حتى باتت تنظّم جلسة أسبوعية لتناقش فيها الصعوبات، وتتشارك معهن في البحث عن حلول.
تقول: “أكبر المشكلات التي تواجه هذه العائلات، هي إدخال أطفالهم إلى المدارس، وكذلك الحصول على الطبابة والدواء”، لذا تشجع أيوب الأمهات على تعليم أطفالهن ضمن أماكن السكن، كما اقترحت على إحداهن تعليم طفلها الزراعة والسقاية، فكانت النتيجة استقرار حالته النفسية.
تتمة المادة الصحفية تجدونها على موقع رصيف22.