كتابة: علي اكريم (إذا كنت لا تعرفني حاول أن تقرأ التالي بلهجة ساخرة)
استعملت “كرسي الدواليب” في حياتي بما مجموعه سنتين لا أكثر؛ المرة الأولى كانت في الثالثة عشرة من عمري عندما قمت بتركيب أطراف اصطناعية لقدمي المبتورتين، والمرة الثانية حين أجريت عملية جراحية أثناء دراستي الجامعية، وبعدها حرّمت على نفسي استخدام الكرسي المتحرك في هذا البلد الصامد!
الأسباب التي دفعتني لهذا القرار متنوعة وكثيرة، ويمكن تلخيصها بثلاث نقاط رئيسية: أولاً طريقة تصميم المنحدرات (Ramps)، ثانياً التنقل في الشوارع وبين السيارات، وثالثاً “كثرة غلبة فاعلي الخير عابري السبيل”!
فخلال فترة المدرسة كنت أشعر حرفياً وكأنني أعيش في ساحة معركة، قد لا تجد فيها صواريخ ومتفجرات بل شظايانا نحن راكبي الكراسي المدولبة! وذلك بسبب المغامرة اليومية التي نخوضها عند استخدام الأرصفة أو صعود ونزول المنحدرات ذات التصميم السيء، وبالأخص تلك التي تصب نهايتها على الطريق العام مباشرة.
فإذا حالفني الحظ ولم أقلب على وجهي عند نهاية المنحدر، سأصل إلى لحظة المواجه مع سيارة عابرة قد ترمي بي فجأة إلى السماء السابعة! لهذا صدقاً كنت في ذلك الوقت على استعداد لأن أتحدى “بطل العالم في الكراسي المدولبة” ليجرّب 20 رامب في سوريا من دون أن يموت أو يصاب بعاهة دائمة!
ثم حين راودتني نفسي الأمارة بالسوء أن أجرب السير على الطريق العام أسوة بالمركبات ذات الأربعة عجلات -لا حباً بالفشخرة لا والله- ولكن طمعاً في درب لا تنخض فيه أمعائي من أرصفته المهترئة، وجدت أنني أخوض حرباً أشد ضراوة وأنا مجردٌ فيها من كل وسائل الحماية التي تصد عني النعرات والضربات غير المتوقعة! وحتى العبارات التي فكرت بتعليقها على خلفية الكرسي لم تكن لتشفع لي بين الشوفيرية المتمرسين، عبارات مثل: لا تشوفني مكرسح وعم اتدرّج دوبلني واتفرّج!
ولكن الكائنات الأخطر من السيارات بالنسبة لي تمثلّت بـ “فاعلي الخير”، اللهم أبعدهم عني وعن سائر عبادك المعوقين يا رب، الذين يهبون لمساعدتك دون أن تطلب منهم ذلك، فمثلاً وبينما كنت أحرك الكرسي بيدي، فجأة ودون مقدمات أجد أن شخصاً غريباً قد بدأ بدفعي إلى الأمام، وإذا لم أنتبه وأسحب أصابعي على الفور فقد تعلق بين الأسياخ الحديدية للعجلة، وتسبب لي بجروح غير متوقعة!
يا فاعل الخير يا حبيبي عليك أن تثق تماماً بأن من يستعمل الكرسي المتحرك لفترة طويلة، قادر على التحكم به أفضل منك بما لا يقارن، وقد بات معتاداً على الطرقات والمطبات ومشاكلها، فعندما تود مساعدته عليك أولاً وقبل كل شيء أن تسأله إذا كان يريد ذلك، كي لا تسبب له بإعاقة إضافية!
لهذه النقاط وغيرها من الأسباب مثل نظرات الشفقة التي ترافقك أينما حللت بكرسيك المتحرك، والمساج غير المرغوب فيه لجسمك عندما تمشي على طرقات البلد وأرصفته المكسرة، والمغامرات اللانهائية بين المارة وعابري السبيل، قررت ترك الكرسي المتحرك أسفل البناية إلى غير رجعة، إلى أن سُرق لاحقاً، ويا سيدي حلال على سائقه الجديد!
ربما من حسن حظي أنني أستطيع استخدام العكازات خلال تنقلاتي، لكنني بالفعل أحزن على من هو مرغم على استخدام الكرسي بشكل دائم في هذه المدينة المجنونة، لا شفقة مني على الشخص المعوق، لكن لأن عقليات الناس وكذلك البيئة الفيزيائية غير مهيأة لاستقباله مطلقاً، ولا تراعي خصوصيته وأدنى احتياجاته، وحتى يتحقق ذلك أتمنى ألا يتسبب له الكرسي بمزيدٍ من الآلام والخضّات النفسية!