“مع خليلك أحييت تلك الموهبة التي دفنتها لأعوام” تقول رند السامرائي، بصوت يمتزج فيه الشغف بشيء من الأسى. قبل عامين، وجدت رند طريقها إلى فرقة ‘خليلك’ للعزف والغناء؛ والتي تأسست كأول تجربة احترافية من نوعها في سوريا لتعليم المكفوفين الموسيقى، جذبتها روح العمل الجماعي وإيمانها بأن الفن قادر على منح ذوي الإعاقة البصرية مساحة حقيقية للتواصل والحضور.
امتلكت رند منذ طفولتها مواهب متعدّدة بين الغناء والكتابة والعزف على آلة الأورغ، وبفضل دعم أستاذها في المرحلة الابتدائية وتشجيع أسرتها، تطورت مهاراتها في العزف، إلا أن الخجل حال دون انخراطها الحقيقي في عالم الغناء، فآثرت الكتابة الموسيقية زمناً أطول بدلاً من مواجهة الجمهور بصوتها.
لكن هذا العزوف لم يكن نهاية الحلم؛ ففي عام 2023 انضمت رند إلى الفرقة الموسيقية، حيث وجدت في أجوائها مساحة آمنة لتجاوز ترددها، لتبدأ رحلة واعية لصقل موهبتها بالمعرفة العلمية من جهة، وخوض تحدٍّ شخصي لاستعادة صوتها ومكانها على المسرح من جهة أخرى.
منذ انضمامها، شاركت رند في حفلين موسيقيين، وقدّمت أغنيات تراثية متنوّعة بالعربية والإنكليزية وفق أسلوب الكاريوكي، لتعيش ما وصفته بـ“تجربة العمر”. غير أنّ هذه التجربة ذاتها، التي أعادت إليها حلم الغناء، باتت اليوم مهدَّدة بالزوال؛ إذ تحاصر الفرقة صعوبات متراكمة تكاد تخنق أحلام أفرادها.

وليس الوضع أفضل حالاً مع العازف محمد حمود، الذي اكتشف موهبته مبكراً وطورها بالتعلم الذاتي وبمساعدة مدربين من المعهد العالي للفنون الموسيقية. انضم محمد إلى الفرقة آملاً بالتدرب عملياً وتعلم قراءة النوتة الموسيقية بلغة برايل، لكنه اصطدم بعقبات قاسية؛ فغياب المكان الملائم للتدريب ونقص الآلات والدعم المادي والاجتماعي جعل أهدافه حلماً يبتعد أكثر كل يوم، حتى بات استمرار الفرقة نفسها على المحك.
وهو ما يؤكده الأستاذ محمد العاني، مؤسس مبادرة ‘خليلك’، الذي يرى أن “تعلم الموسيقى ليس ترفاً بالنسبة للمكفوفين بل ضرورة تنمّي مهارات السمع والإنصات، وهي أهم حواسهم وأدوات تفاعلهم مع العالم”. يشاركه الرأي منسق التدريب حمزة جديع، موضحاً أن أعضاء الفرقة يتلقون تدريبات احترافية تُعد حلماً لغيرهم، لكن المفارقة المؤلمة أنهم محرومون من الانتساب إلى المعهد العالي للفنون الموسيقية، ما يجعل مسيرتهم الفنية محاطة بالعقبات بدل أن تكون محاطة بالمسارح.
والجدير ذكره أن تدريبات الفرقة التي كانت تقام سابقاً في مقر جمعية المكفوفين، باتت اليوم بلا مأوى فني، وتبحث عن مكان يجمع أفرادها ويحمي ما تبقى من حلمهم قبل أن يتبدد، فهل من جهة تسمع نداءهم وتمنح هذه التجربة الفريدة فرصة للبقاء؟
كتابة: رامه الشويكي
