القصة التالية تروي تجربة مؤلمة لشاب كفيف اسمه ‘إبراهيم حولاني’ تعرض للاعتقال والتعذيب في سوريا بسبب انتمائه لمنطقة معينة، حيث بدأ الأمر بمضايقات على حاجز أمني أثناء محاولته الانتقال بين الجامعات، ثم تصاعدت الأحداث حتى اختُطف وتعرض لتعذيب قاسي. رغم الألم والمعاناة، واجه مصيره بإيمان وقوة، وعندما علم لاحقاً بأن جلاده يطلب المغفرة، سامحه من قلبه، مؤكداً أن الحقد مرض لا يستحق أن يُورث.
ننقل القصة لك على لسانه كما نشرها على صفحته على الفيسبوك:
متل هاليوم شفت القهر بأبشع ألوانه .. بمتل هاليوم شفت الغدر بكل معناه ..
القصة بدأت من أحد حواجز طريق المطار، يومها كنت راجع من حمص ومعي أوراق انتقالي من جامعة البعث إلى جامعة دمشق .. “حولاني انزل” .. نزلت وأنا في قلبي أقول يا رب لطفك ..
بنبرة عنيفة قال: “أنت من جوبر حمص؟”
قلت: “أي أنا من حي جوبر بحمص”
قلي: “ابن عمي استشهد عنكن ووعدته أنتقم له”
قلتلو: “أنا ما الي ذنب وبعمري ما أذيت حدا” !!
قلي “اخرس” وأخد شنتايتي يفتشها ..
مزق أوراق الجامعة يلي اشتغلت فيهم بحمص، براءة الذمة والحياة الجامعية وكشف العلامات.. مزقهم وقلي جامعة مافي.. وهو عم يحاكيني اجا حدا ما بعرف مين هو وقلو “شو بدك فيه اتركه”، ومسكني من إيدي ورجعني على الميكرو .. من هون بلشت مقدمة ليوم 8 شباط يلي فيه شفت قسوة بيعجز عن وصفها أي كلام..
في شي بداخلي كان يدفعني انو أنا لازم كمل دراستي لو مهما صار، بعد يومين رجعت سافرت لحمص عشان استخرج بدل الأوراق يلي مزقها، وكان المشوار من دمشق لحمص هديك الفترة فيه مشقة كبيرة.. جبت الأوراق مرة تانية ورجعت.
بعد شهر تقريباً وأنا رايح للجامعة على نفس الحاجز.. “حولاني انزل” .. نزلت.. “وين رايح؟” قلت “على الجامعة” .. قلي: “ما قلتلك جامعة مافي أنت عم تتحداني ؟” .. قلت “ليش أتحداك، بس هي حياتي وبدي أدرس” .. نفس الشخص يلي خلصني منه في المرة الماضية، اجا وقلو: “ما بقى تحل عنو .. ورجعني للميكرو”.
بعد يومين على نفس الحاجز حاكاني من الشباك، قلي: “ما رح نزلك بس إلك يوم”. ما تخيلت إنو هاليوم يلي وعدني فيه رح يكون بهي القسوة والقهر، كنت مفكر إنو كلمة عابرة..
على أحد مجموعات طلاب الحقوق الشب نفسه وائل صار يشتمني ويهاجمني، وأدمن المجموعة حظره..
بتمر الأيام وبلشنا امتحانات السنة التانية، بيوم امتحان مادة المتجر بيشوفني شخص بعد الفحص، طلب مني روح معه نزل تطبيق القارئ لهاتف ابن عمه الكفيف.. قلي بكرا بجي باخدك، قلتلو خليها ليوم المادة الجاية ب 8 الشهر .. طلبت رقم موبايلو، قلي مافي داعي رح كون ناطرك قدام باب الجامعة ..
اجا يوم 8 شباط متل هاليوم كان عندي امتحان قانون العمل.. بعد الامتحان فعلاً كان عم يستناني عند باب الجامعة، بعد السلام قلي تعال السيارة لقدام شوي.. مشيت معه مسافة حسيتها طويلة شوي.. وصلنا للسيارة، طلعت معهم.. يمكن أنا أخطأت كان لازم كون حذر أكتر وما أطلع معهم..
مشيت السيارة.. بحدود عشر دقائق توقفت وطلع تنين.. عرفت انو تنين لأن واحد قعد جنبي وواحد فتح باب السيارة من قدام.
لحظات بلش قلبي يدق.. بداخلي أقول “يا الله هاد يلي طلع صوت وائل”.. حسيت بالخطر بس مافيني أعمل شي .. سألت “وين رايحين؟” هو بصوته يلي بعرفه قلي “طول بالك مشوارك طويل اليوم” .. قلت “شو بدك مني؟” صرخ فيني وضربني على كتفي بشي صلب ما بعرف إذا بارودة أو عصا .. مديت إيدي أتحسس باب السيارة خطرلي أفتح الباب، ضربني على إيدي.
مابعرف شقد من الوقت بقيت السيارة.. توقفت، قلي انزل، قلت ما رح أنزل.. شدني من رجليي وسحبني على الأرض.. “تركوني مشان الله أنا ما عملت شي” .. رد عليي بكلمات فيها كفر… سحبوني لمسافة على الأرض.. كان في طين وحجار كتير..
بعدها شلحوني الجاكيت والكنزة.. كان كتير برد.. بدأ الضرب.. ما بعرف شو أحكي عن هي اللحظات.. كل هالشي بكفة، و يلي عملوه بعيوني بكفة..
واحد قعد على رجليي و وائل قعد على صدري.. عطاني ورقة، قلي “يلا اقرأها”.. قلت “ما فيني أقرأها” .. قلي “بدك تقرأها غصب عنك”.. ما حكيت ولا كلمة، هون فتحلي عيني وحط السيكارة فيها، حاولت قاوم.. حط ايديي تحت ركبته وصار يحط السيكارة بعيوني.. كل ما تطفي يرجع يشعلها ويطفيها بعيوني..
بغض النظر عن الألم، هالشي كسر قلبي.. كسر روحي..
السماعة يلي لابسها وقعت على الأرض وما عدت أسمعهم.. بعدين عطاني السماعة وقلي “قبل نهايتك شو آخر شي بتتمناه؟” قلت “بدي صلي”.. وقفت صلي.. الله وحده بيعرف حجم الألم بهديك اللحظة.. وأنا ساجد ما خلاني كمل صلاة، ورجع الضرب..
بعدها تركوني وراحوا .. ما بعرف شقد بقيت على الأرض.. قمت صرت نادي: “في حدا هون.. في حدا هون”.. ومافي حدا.. صرت دور على أغراضي بالأرض.. حط إيدي على الأرض ودور.. والدم عم ينزف من صدري وأكتافي.. العصا ما لقيتها.. البرد اشتد ..
صرت أمشي ما بعرف لوين.. أمشي من دون عصا المكفوفين.. كتير الأرض فيها حجار و حفر.. ضليت أمشي كتير .. وقعت كتير وأرجع قوم.. كل شوي نادي وأرفع إيدي لفوق بلكي حدا بيلمحني.. كتير مشيت وكتير تعبت..
حسيت انو ما عاد فيني أمشي.. قعدت على الأرض.. قلت “يا رب بيرضيك هيك.. ليش خليتهم يعملوا فيني هيك”.. ما كنت عم أعترض، الله جل جلاله لا يقال له ليش.. بس كنت بوضع الله وحده بيعرف حالتي وقتها..
كل شوي نادي بصوت عالي.. ما بعرف شقد بقيت.. سمعت صوت من بعيد.. ما فهمت شو قال.. وقفت ورفعت ايديي.. رجعت سمعت الصوت وما فهمته.. الصوت قرب.. ناديت بأعلى صوتي أنا ما بشوف.. قرب مني قلي مين عمل فيك هيك.. دموعي صارت تنزل.. مشي معي وهو ساندني.. ما بعرف بمين اتصل.. شوي اجت سيارة.. أخدوني على حاجز.. عرفت انو حاجز قريب من جيرود .. أخدوني على المشفى.
هاليوم ترك أثر مؤلم حتى الآن..
رح أختصر شوية تفاصيل.. بعد تقريباً سنة تواصل معي زميلي بالحقوق وهو أخ إلي.. قلي انو حاكته صبية طلبت منو يحاكيني لأنها خجلانة تحاكيني مباشرة وهي أخت وائل.. حكيت معها وهي إنسانة في قمة الرقي، خبرتني انو وائل عمل حادث وفقد البصر و بتر قدمه من الركبة وبيطلب مني سامحه وهو بغيبوبة بيصحى منها وبيرجع.. سامحته لأن الحقد مرض و وائل كان مريض بالحقد.. سامحته من كل قلبي.. وائل توفى و راح لعند رب عادل.
يلي كانوا مع وائل ما عرفت شي عنهم.. إذا وصل إليهم منشوري، بس ياريت تتواصلوا معي.. ما رح خبر عنكم، بس بدي أعرف شو غايتكم .. وائل حقد عليي يمكن من منطقة استشهد فيها ابن عمه.. طيب إنتو ليش؟
يمكن كلامي كان كتير طويل.. بس صدقاً اختصرت كتير تفاصيل..