هل هو مجرور للصرف الصحي؟ حفرة؟ نفق؟ لافتة؟ أغصان أشجار؟ سيارة متوقفة على الرصيف؟ أم ربما نهر من النفايات؟ ماذا يخبئ الحظ للكفيف السوري اليوم؟ سؤال نطرحه على أنفسنا قبل أن نغادر المنزل، ونتمنى من أعماق قلوبنا ألّا نصطدم أو نقع (حرفياً) في إجابته.
ضجت وسائل التواصل الاجتماعي قبل أيام بخبر سقوط الشاب ‘ابراهيم حولاني’ في أحد روافد نهر بردى، نتيجة غياب سور يحمي سلامة المارة. تم إنقاذه لاحقاً، بعد أن تعرض لأضرار نفسية وجسدية ومادية. تباينت التعليقات بين تعاطف كبير مع الشاب، وانتقاد لخروجه بمفرده، وتوجيه اللوم إلى الجهات المعنية، التي سارعت لإصلاح السور عقب الحادثة. هذا التطور دفع العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية للتساؤل: إذا كانت عملية الإصلاح بهذه البساطة، لماذا تأخرت الجهود في تأمين المكان؟
يبدو أن الجواب مرتبط بالحظ فعلاً، هذا الحظ الذي لم يكن من نصيب رجل كفيف قبل ست سنوات، حين لم تنتشر قصته على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن سقط في هاوية المبنى الكبير قيد الإنشاء وسط منطقة البرامكة، نجا الرجل بأعجوبة رغم عمق الحفرة الذي تجاوز 30 متراً، لكنه فقد حاسة الشم وجزءاً من حاسة السمع نتيجة الحادث.
مجارير الصرف الصحي، أو حفر الأبنية قيد الإنشاء، أو الأرصفة غير المؤهلة للاستخدام البشري، أو حتى الحفر التي يتركها عمال الصيانة مفتوحة؛ لا تترك فقط ندوباً على الطرقات، بل تخلف أيضاً ندبات عديدة على أجسادنا وأرواحنا.
ومع تكرار الإصابات، أصبح الأمر شبه اعتيادي بالنسبة لنا كأشخاص مكفوفين. فلا يكاد يمضي يوم دون أن نسمع عن قصة مشابهة، حتى أصبحت وكأنها “تميمة حظ” لكل واحد منا.
الشتاء قادم – Winter in coming
تختلط مشاعري حين أسمع فيروز تغني “شتي يا دنيي تيزيد موسمنا ويحلى”، فرغم محبتي للدفء ورائحة القهوة الساخنة في الشتاء، لكني لا أستطيع تجاهل أن أمطار الخير تزيد الطين بلة (حرفياً). فالشتاء بالنسبة للمكفوفين هو شهر الإصابات والأطراف المجبّرة.
تخيل أن علينا تفادي الأمطار والطين في طرقات منزوعة الإسفلت، وعلى أرصفة مهترئة البلاط، بينما نحاول تجنب أغصان الأشجار المتدلية التي لا نستطيع إدراكها، حتى ونحن نحمل عصا المكفوفين البيضاء. كذلك علينا تفادي إشغالات الأرصفة مثل البسطات، والسيارات، والدراجات، إلى جانب اللافتات المنخفضة أو الأعمدة المنتصبة في وسط الرصيف… كل هذا لنتمكن من الوصول إلى بيوتنا بصحة وعافية وأجسام سليمة!
أتذكر عندما كسرت يدي إثر سقوطي في حفرة بأحد الشوارع، وقتها توجهت إلى الجهات المعنية وقدمت شكواي، طالباً منهم تزفيت الطريق لتجنب وقوع حوادث مماثلة. استجابوا بالفعل بعد فترة قصيرة، لكن استجابتهم خلقت مشكلة أكبر؛ إذ تركوا أغطية مجارير الصرف الصحي كما هي، ورصفوا الإسفلت حولها، مما أدى إلى ترك حفر بعمق يقارب 20 سم. ولم يمضِ وقت طويل حتى تسببت إحدى هذه الحفر بكسر قدمي.
الحل السحري الأخير
حادثة الشاب إبراهيم سلطت الضوء على “حل سحري” قد يبدو الطريقة الوحيدة لتحسين واقع الطرقات والمرافق، وهو أن نضحي بأنفسنا أمام عدسات صفحات التواصل الاجتماعي. فكل ما يتطلبه الأمر هو أن نحاول عبور الشارع في غياب الإشارات الصوتية الخاصة بالمكفوفين، والأهم غياب ثقافة احترام العصا البيضاء لدى السائقين.
أو ربما أن نسقط في هاوية برج قيد الإنشاء لا يتضمن حاجز حماية يحفظ الأرواح. وفي حال أودت هذه المحاولات بحياتنا، يكفينا العزاء أننا قد نكون الضحايا الأخيرين، عسى أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه الطرقات والمرافق أكثر أماناً للأجيال القادمة، وبذلك تتعطل تميمة الحظ المرافقة لنا في كل خطواتنا في هذا البلد!
الكاتب: كفيف محظوظ ب 13 كسر فقط.