كتبت مها هنيدي، والدة شاب من قصار القامة:
مرةً.. وحين حار الطبيب في سبب انغلاق الشريان الأمامي لقلبي كتبت:
“في عروقي، طفلٌ فاتَ قامَتَهُ أن تطولَ فتلحقَ بقاماتِهم ..
خذلَهُ الرفاقُ فكُبُروا وخلُّوه قادراً أبداً على الارتماءِ بحضني ..
وعلى السُّكنى داخلَ شرياني .. فأغلقه”
اليوم، أنظرُ إلى ما كتبتُ بعينٍ أخرى، فأرى في كرم سبباً لطولِ العمر لا لقصفه. سبباً يُنعش القلبَ ولا يُجهده. يفتحُ كلّ الشرايين ولا يغلقها. أرى نفسي والكثيرين من حولي أكثر “احتياجاً خاصاً” من كرم.
أعدمُ الحيلة في تدبير الأمور، فيما يعيش هو في بحثاً دائماً عن الحلول. أعجَزُ عن الحركة وأكثرَ التصاقاَ بالمكانِ وبالموجودِ والمسموح، فيما يُحلق هو في عوالمَ غنية.
يوزّع شغفَه بين نبتةٍ زرعها في إصّيص، أو لونٍ نثره على قماش لوحة، أو صورةٍ نادرةٍ التقطَها بآلة تصويره، أو قطةٍ شاردةٍ جعلَ نفسَه مسؤولاً عن أمانِها، أو معلومةٍ أهداه إياها حاسوبُه فأهداها بدوره للبيئةِ والطبيعةِ، أو موسيقا تأتيه عبر سماعتينِ فتملأ عليه جوارحَه.
بذهنٍ متوقدٍ كان يُحللُ كل ذلك. بأفكارٍ واضحةٍ مرتبةٍ لا يعتريها الترددُ ولا التشويش. عارفاً أولوياتِه، واثقاً بالخطوة القادمة، ضاحكاً ومرحاً ومتفائلاً وأنيقاً ووسيماً، بل ومعجباً أيضاً بوسامته .. إلى الدرجة التي تشكُّ معها أحياناً: هل يُدركُ حقاً إعاقَته؟!
هذا هو كرم أيها السادة.. الأقصرُ من أترابِهِ جميعاً والأطولُ مني!
صغيرُ القامةِ العملاق، فناني الموهوبُ الذكيُّ الرقيقُ الحساس، ذلك الذي أغلق شرياني مرةً ثم عاد وفتحه.
تُنشر هذه المادة بدعم من “صوت سوري” ضمن مشروع “نساء حول الإعاقة”، بالتعاون بين منصة #عكازة وجمعية همزة وصل.