كل يوم عند العاشرة صباحاً، تنطلق دعاء (10 سنوات) برفقة والدها من المخيم الأزرق جنوب مدينة معرة مصرين إلى مركز العلاج الفيزيائي شمال المدينة. هناك، تخضع لجلسات علاجية مؤلمة، يتضاعف فيها الألم حين يتعذر على والدها العثور على وسيلة نقل، مما يضطر الفتاة الصغيرة إلى السير لأكثر من كيلومترين على قدميها المصابتين بالتشوه، نتيجة نقص في الأنسجة أثرت بشكل كبير على طريقتها في النطق والمشي.

في حين تقضي والدة دعاء وقتاً طويلاً في رعاية طفلتها التي تتطلب عناية خاصة تتجاوز إمكانيات الأسرة المحدودة في الخيمة التي يعيشون فيها. ومع ذلك، لا تزال دعاء تحاول الذهاب إلى مدرسة المخيم، المؤلفة من خيمة تحتوي عدد من المقاعد الخشبية، رغم أنها قد رسبت سنتين متتاليتين بسبب اضطرارها للتغيب عن الدروس لحضور جلسات العلاج الفيزيائي خلال ساعات الدوام المدرسي.

نظرة المجتمع السلبية تؤثر بعمق على تفكير والدة دعاء، التي تبدو غير مهتمة بتحصيل ابنتها التعليمي، قائلة إن “مستقبل الفتاة هو زوجها، والتعليم لن يفيد الفقراء مثلنا”، وفق حديثها لمنصة #عكازة. وفي الوقت نفسه، تعبر عن قلقها الشديد بشأن مستقبل ابنتها، متسائلة إن كانت ستجد من يتقدم لخطبتها، وإن كانت ستتمكن من الزواج وإنجاب الأطفال، خاصة وأن العلاج لم يحقق تقدماً يُذكر في تحسين حالتها.

قصة دعاء تمثل واحدة من مئات القصص لسوريات يعانين من الإعاقة، حيث تتعرض العديد منهن للعنف القائم على النوع الاجتماعي وأشكال مختلفة من التمييز بسبب إعاقتهن. أما النساء اللواتي يعتنين بهن، فيواجهن ضغوطاً نفسية وجسدية ومالية مضاعفة مقارنة بالنساء الأخريات.

دعم نفسي مستحق

في آب/أغسطس 2013، تعرضت عبير (25 عاماً) لحادثة غيرت مجرى حياتها. فقد سقطت قذيفة على منزل عائلتها في مدينة داريا، أدت إلى إصابتها بجروح بالغة في ساقها اليسرى فاضطر الأطباء لبترها.

وبعد اتفاق الهدنة في معضمية الشام عام 2014، انتقلت عبير إلى شقة سكنية في المدينة التي أصبحت أكثر أماناً. وهناك تزوجت من أحد شبان المدينة، لتعيش أمومتها وحياتها الزوجية بشكل طبيعي. تقول لـ #عكازة أنها تلقت الدعم والرعاية اللازمة من زوجها وأسرتها، وخاصة بعد تركيب ساق صناعية لها من قبل أحد المراكز الطبية قبل أن تنجب طفليها.

وتضيف: “أسرتي الصغيرة والكبيرة شكّلت شبكة دعم قوية ساعدتني على تجاوز الألم. الجميع من حولي يدعمني لتحسين حالتي النفسية، بالإضافة إلى تناول الأدوية التي تخفف من آلام الإصابة الجسدية”.

أوضحت عبير أن طفليها تأقلما مع منظر الساق الصناعية، خصوصاً أنها كانت جزءاً من حياتها قبل ولادتهما. كما أنها روت لهما قصتها عندما لاحظا الفارق بينها وبين الأمهات الأخريات في محيطهم.

آلام صامتة

تعد تجربة عبير مثالاً فريداً ومحفزاً بالمقارنة مع تجارب أخرى تعرضت فيها النساء من ذوات الإعاقة لأشكال متعددة من العنف، سواء المباشر أو غير المباشر. تجسد قصة سعاد (31 عاماً) التي تعيش في بلدة الفوعة شمالي إدلب، الوجه الآخر للتعامل المجتمعي مع النساء ذوات الإعاقة.

ففي شباط/فبراير 2020، تعرضت سعاد، وهي سيدة متزوجة وأم لثلاثة أطفال، لقذيفة صاروخية سقطت على منزلها، أدت إلى تهشيم عظام قدمها اليمنى. وعلى الرغم من خضوعها لعدة عمليات جراحية لترميم قدمها، إلا أنها لم تستطع التغلب على الإعاقة الناتجة عن الإصابة، حيث لا زالت تعاني من العرج أثناء المشي. مما جعلها هدفاً للتنمر اللفظي والمعنوي، خاصة من قبل الشبان في الشوارع أو حتى من جاراتها أو قريباتها.

تقول سعاد: “كل يوم يمر يزيد من آلامي النفسية ويضعف ثقتي بنفسي. كثيراً ما أسمع عبارات مسيئة تسخر من طريقتي في المشي”. وتضيف: “أحياناً عندما أتشاجر مع زوجي، أسمع منه عبارات تهكمية يستهزئ فيها بإعاقتي وبطريقة سيري، ويعيّرني ويهددني بالزواج من أخرى. صحيح أنه يعتذر لاحقاً ويعترف بخطئه، لكن هذه العبارات تترك جرحاً عميقاً في روحي”.

الرعاية المفقودة

رغم ازدياد أعداد ذوي الإعاقة يبقى الدور الفاعل لمراكز الرعاية المتخصصة بهذه الفئة ضعيفاً وغير ملموس. كما أن الدعم النفسي والمادي للنساء المعيلات لأشخاص ذوي إعاقة يكاد يكون معدوماً.

على سبيل المثال، لم تحضر والدة دعاء أي دورة تدريبية حول كيفية الاعتناء بطفلتها، نظراً لعدم معرفتها بوجود مثل هذه الدورات، فهي حتى الآن لم تتلق سوى الحفاضات التي تعتمد عليها طفلتها بسبب الإعاقة. بينما يقدم مركز المعالجة الفيزيائية الذي تزوره الطفلة الجلسات العلاجية بشكل مجاني، ما يخفف من بعض الأعباء المالية عن الأسرة.

من جانبها، لم تقم سعاد بزيارة أيٍ من مراكز الدعم النفسي المخصصة لذوي الإعاقة، مبررة ذلك بعدم تقبل المجتمع لهذه الفكرة، التي تعتبر جديدة نسبياً، كما أوضحت بعيون دامعة. في حين أشارت عبير إلى أنها لم تحصل على أي دعم نفسي خلال فترة الحصار الطويلة التي عاشتها، على الرغم من أنها كانت تمر بحالة نفسية صعبة للغاية. ولولا وجود عائلتها وزوجها لما استطاعت تجاوز تلك المحنة.

وهكذا تعكس القصص المتعددة للنساء ذوات الإعاقة والنساء المعيلات لأشخاص من ذوي الإعاقة في سوريا واقعاً معقداً يتراوح بين الأمل والتحديات القاسية. يغيب معها الدعم الكافي والمستدام لمراكز الرعاية والخدمات المتخصصة، ليبقى الأمل معقوداً على تضافر الجهود المجتمعية لتقديم الدعم اللازم لهذه الفئة المهمشة.

كتابة: محمد كساح

تُنشر هذه المادة بدعم من “صوت سوري” ضمن مشروع “نساء حول الإعاقة”، بالتعاون بين منصة #عكازة وجمعية همزة وصل.