بالإعلانات الطرقية والمنشورات الإلكترونية والصور المرفقة بالشعارات، يسعى مرشحو مجلس الشعب إلى حصد تأييد الناخبين السوريين في معركتهم القادمة منتصف شهر تموز/يوليو 2024، لكن سيدة واحدة استطاعت جذب انتباه الكثيرين بصمتها وبكونها أول صماء تخوض غمار الانتخابات البرلمانية.

هدى محمد، الصماء الوحيدة الحاصلة على شهادة الماجستير في سوريا، والتي ترأس مجلس إدارة جمعية “إشارتي”، كان حلمها منذ الطفولة أن تصبح نائباً في البرلمان، فهي تؤمن أن العلم والعمل هما الوسيلة الأفضل لكسر الصورة النمطية الموسومة بالشفقة أو الاستهزاء تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة.

إعلانات ترشح مشابهة لأصحاب إعاقات مختلفة هي أهم ما يميز هذه الدورة الانتخابية، ما يعكس ارتفاع وعي هذه الفئة بحقوقها وبأهمية وجود ممثل عنها في مراكز صنع القرار. كما أنه يكشف عن ملامح جديدة للإصرار على التواجد والمشاركة الفعالة الحقيقية عوضاً عن الاكتفاء بالمطالبة بالحقوق في الظل.

توضح هدى أن أزمة المعوقين في سوريا ليست محصورة في القوانين، فالمجتمع أيضاً يجهل حقوقهم أو يتجاهلها؛ وفي أحيان كثيرة، يكون ذوو الإعاقة أنفسهم غير مدركين لحقوقهم وواجباتهم بشكل كامل. ومن هنا ترسم المرشحة، بمساعدة مترجمة لغة إشارة ترافقها بشكل دائم، ملامح خطتها للعمل من داخل المجلس النيابي على توعية المجتمع بتلك القوانين والبدء بدمج ذوي الإعاقات والتعريف بمشكلاتهم وإيصال صوتهم وطلباتهم إلى أصحاب القرار.

فوبيا الدرج!

“كل متوقعٍ آت، فتوقع ما تتمنى” تلخص هذه المقولة حلم ‘محمد رشيد حسن’ باليوم الذي يجلس فيه تحت قبة البرلمان. غير أن صاحب الإعاقة الحركية الطموح، الحاصل على إجازة في الأدب الإنكليزي، والناشط في مجال دعم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، يعاني منذ زمنٍ طويل مما يسميه “فوبيا الدَّرَج”.

يوضح: “لطالما أفسد الدرج فرحتي بتحقيق أهداف كنت أطمح للوصول إليها، مثل متابعة التحصيل العلمي أو مقابلات العمل المهمة وغيرها”. فمعظم البنى التحتية في سوريا غير مكيفة لتلائم ذوي الإعاقة، سواء أكانوا مرشحين أو مقترعين. لكن تلك الأدراج والعقبات الكثيرة التي واجهت رشيد خلال مسيرة حياته، هي ما دفعته للانخراط في العمل المجتمعي لتسليط الضوء على واقع أقرانه والمطالبة بحقوقهم.

تجربة رشيد بالترشح للانتخابات ليست الأولى، غير أنه قرر خوضها مجدداً هذا العام، بعد أن سعى خلال السنوات الأربع الماضية إلى زيادة نشاطه المجتمعي لاكتساب خبرة أكبر في التعامل مع الحدث، وبناء قاعدة شعبية تؤمن بأحقيته في الوصول إلى المجلس.

أما عن حملته الانتخابية التي قرر أن ينشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمساعدة ودعم بعض الأصدقاء، فيقول رشيد إنه اختار لها شعار #حتى_نتشارك، إيماناً منه بأهمية مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في صنع القرار الذي يضمن حصولهم على حقوقهم بالشكل الأمثل.

يضيف لـ #عكازة: “يتلخص بياني الانتخابي بتطبيق بنود الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والتي تتضمن اتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها ضمان حصولنا على حقوقنا في التعليم والعمل والرعاية الصحية والمشاركة في كافة مجالات الحياة وغير ذلك، على قدم المساواة مع بقية أفراد المجتمع”.

لا عوائق للفوز

وحول تأمين وصول الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية إلى مبنى المجلس النيابي، أكد مدير الإعلام في مجلس الشعب، ناجي عبيد، أنه تم تجهيز المبنى منذ فترة بمصاعد في مختلف الأجنحة، وذلك تسهيلاً لحركة الأشخاص المعوقين. لكن عقدة من نوع آخر ستواجه هدى في حال نجاحها في الانتخابات، حيث لا يوجد مترجم لغة إشارة في المجلس! وهنا يوضح عبيد أن للمجلس صلاحية الاستعانة بمن يحتاجه في الحالات الخاصة، بالإضافة إلى أن المداخلات في المجلس نوعان: خطابية وكتابية، وبإمكان أي عضو أن يتلو مداخلته بشكل خطابي أو أن يقدمها مكتوبة ليتلوها رئيس المجلس أو أمين السر.

لا توجد أرقام دقيقة لعدد المرشحين من ذوي الإعاقة في هذه النسخة من الانتخابات، يقول عبيد، لأن القانون السوري منحهم حق الترشح مثل أي مواطن آخر، وبالتالي لا يتم فرزهم أو تصنيفهم على أساس الإعاقة. لكن ما يميز الحملات الدعائية التي سهلت وسائل التواصل الاجتماعي انتشارها هو وجود عدد لا بأس به من المرشحين من ذوي الإعاقة لعضوية المجلس هذا العام. فهل تكون هذه الانتخابات بداية مرحلة جديدة من الدمج والتشاركية وتحقيق الأهداف؟

كتابة: سناء علي