يواجه مجتمع الصم تحديات فريدة في العالم الرقمي، أبرزها حواجز اللغة والتواصل مع الآخرين، بالإضافة إلى ندرة المحتوى المترجم إلى لغة الإشارة، وبالتالي الوصول المقيد إلى المعلومات المفيدة.
ومع ازدياد انتشار الإنترنت بين أصحاب الإعاقة السمعية، طرأت تحديات غير متوقعة لم يستطع الكثيرون التعلم عنها، مثل اختراق الأجهزة أو تهكير حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أن بعضهم وقعوا ضحية للاستغلال الرقمي والابتزاز من قبل المخترقين/الهاكرز.
وتعتبر النساء والفتيات الصم أكثر عرضة لسرقة الملفات والصور الشخصية ولاحقاً للابتزاز الإلكتروني، وما يزيد الأمر صعوبة، هو أنهن يجدن أنفسهن مهمشات ومستبعدات من التوعية والدعم الذي يحتجن إليه بشدة للتعامل مع مثل هذه المواقف الصعبة.
تقول فرح التل، مترجمة لغة الإشارة في جمعية رعاية الصم في دمشق: “بحسب مشاهداتي، ثلاثة من كل خمس نساء يأتين إلى الجمعية يشتكين بأنهن تعرضن لاختراق حساباتهن، أو سرقة ملفاتهم الشخصية، أو تواجهن مشاكل تقنية لا يعرفن كيفية حلها. لكن الأشد قسوة بالنسبة لي هو الاستماع لقصص التهديدات التي تطال بعضهن من قبل المخترق، بنشر صورهن إن لم يدفعن مبلغاً من المال”.
تعمل فرح مع العديد من المتطوعين للتوعية بأخلاقيات التواصل عبر الإنترنت، وضرورة التحقق من القصص قبل نشرها، والتبليغ عن الصفحات التي تنشر الشائعات أو تسرّب معلومات وصور المستخدمين.
ولكن بحسب فرح، غالباً ما تُترك النساء الصم يكافحن لوحدهن للتغلب على التداعيات العاطفية والمادية لهذا النوع من الابتزاز الرقمي، مثل التشهير والإساءة إلى سمعتهن ضمن المجتمع المنعزل عن مجتمع السامعين، تقول فرح: “إخبار الأهل يعني مزيداً من التحكم أو حتى التعرض للتعنيف، وإذا فكرت إحداهن بتقديم شكوى في المحاكم أو مراكز الشرطة، ستصطدم بصعوبة التواصل مع رجال القانون وشرح ما تتعرض له”.
نتيجة لهذه العقبات قامت منصة “عكّازة” بالتعاون مع عدة جمعيات معنية برعاية الصم في سوريا بإطلاق سلسلة مقاطع فيديو بلغة الإشارة، هدفها تعريف الصم وغيرهم بأساليب مواجهة الابتزاز والتشهير الإلكتروني، مع توفير شروحات لأدوات الحماية الرقمية وحفظ البيانات الشخصية من الاختراق.
وفي الحديث مع مؤسس المنصة أحمد الأشقر، أشار إلى أن إطلاق مقاطع التوعية تلك جاء استجابة للحالات التي تم توثيقها في المحاكم لسيدات وفتيات صم تعرضن للابتزاز عبر الإنترنت ولا يعرفن حتى الآن كيف سينتهي ذلك بأقل الخسائر، وأضاف الأشقر: “هناك طلب كبير للاستشارات النفسية من نساء صم يواجهن الضغط النفسي ومشاعر العزلة والاكتئاب نتيجة لتجاربهن مع المبتزين، وخوفهن من انتشار صورهن أو حتى محادثاتهن الخاصة في مجتمع الصم الذي لا يرحم”.
تستعرض مقاطع الفيديو الستة القصيرة من السلسلة، قصّة متخيلة لفتاة صماء اسمها ‘سما’ عمرها ستة عشر عاماً، تعرضت لاختراق هاتفها وسرقة صورها، ثم لملاحقة المبتز لها وإجبارها على دفع الأموال مقابل عدم النشر. وهي قصة مستوحاة من عدة قصص حقيقية تعايشها فتيات ونساء صم حتى الآن، بحسب الأشقر.
كما سعت مقاطع الفيديو التي تعتبر فريدة وجديدة من نوعها على مستوى المحتوى المقدم للصم، إلى استخدام “لغة الإشارة العربية الموحدة” بهدف أن تكون مفهومة لأكبر قدر ممكن من الصم العرب، وتضمنت شرحاً لمفهوم الابتزاز نفسه، وتعريفاً بالطرق القانونية المتاحة للتبليغ عن أي انتهاك عبر الإنترنت، بالإضافة إلى إجراءات الوقاية التي يمكن اتباعها لتجنب الوقوع في مثل هذه المخاطر.
وشارك في تقديم تلك الفيديوهات مجموعة من المتطوعات من جمعية “إشارتي” وفريق “الصم المبدعون” وهي جمعيات معنية بحقوق الصم مقرها العاصمة دمشق، إلى جانب عدد من مترجمي لغة الإشارة والحقوقيين الذين قدموا المعلومة بأسلوب مبسط يزيل الوصم المتعلق بالابتزاز الإلكتروني ويكسر عزلة النساء اللواتي يتعرضن له.
كتابة: نور أبو فراج
نشر هذا المقال بالتعاون مع جريدة “المصري اليوم”.