كثيراً ما يأخذ الجدال حول المصطلحات والتسميات الحيز الأكبر من أي نقاش عوضاً عن الالتفات إلى المواضيع العملية والحياتية، فمثلاً ينقسم الناس حول التسمية الأنسب التي سيطلقونها على الأشخاص ذوي الإعاقة، وعندما يصل النقاش إلى حماية الحقوق وتأمين الاحتياجات يتحول الحديث إلى رفاهية لا داعي للخوض فيه!
تعريفات الأمم المتحدة وتوصيفاتها حول ذوي الإعاقة تغيرت عبر الزمن، مما زاد من حدة الخلاف حول التسميات، أضف إلى ذلك جماعة ‘التنمية البشرية’ الذين ابتدعوا توصيفات جديدة لا يملّون من الترويج لها مع صور نمطية لشخص فاقد لأحد أطرافه!
نحن كمعوقين لا تهمنا ما هي التسمية التي تود أن تطلقها علينا، ذوي احتياجات خاصة، ذوي الهمم، أصحاب الكراسي المتحركة، صناع الأمل … هذا كله لا يهم طالما أنك لا تتعامل مع هذه التسمية كإهانة أو شتيمة، أو تقصد بها التنمر والوصم الاجتماعي!
في دمشق كان هناك خباز يشتغل عنده ثلاثة أشخاص من الصم واعتاد أن يسميهم «خرس» منذ زمنٍ طويل، ولا يتعامل مع تلك التسمية كشتيمة أو انتقاص من قيمتهم، بل يعامل هؤلاء الصم بأفضل مما يعامل بقية موظفيه. في حين يمكن أن تقابل شخصاً في موقع مسؤولية كمدير مدرسة أو موظفاً ما وتجده حافظاً لكل تشريعات حقوق ذوي الإعاقة مع البرتوكولات المصادق عليها، بل يمكنه أن ينظّم لك أبياتاً من الشعر في قضايا الإعاقة، ولكنه عند التنفيذ العملي سيجد ألف حجة ومبرر كي يقنعك أنه لا يستطيع نقل صف يدرس فيه طالب معوق من الطابق الثالث إلى الطابق الأرضي، بدعوى: “أسميناهم أصحاب همم تكريماً لجهودهم في صعود الدرج!”
وهكذا تتحول عملية إطلاق التسميات إلى غطاء للتهرب من تحمّل المسؤولية، لذلك نقول لم تكن المصطلحات يوماً هي مشكلتنا الرئيسية، بل تعاملك معنا هو الذي يعنينا، نظرتك إلينا هي التي تهمنا، حقوقنا وتأمين متطلباتنا هو الأهم بالنسبة إلينا.
ومع ذلك، باتت التوعية بكيفية استخدام المصطلحات ضرورية وهامة، فعلى سبيل المقاربة، الجيل الجديد من الشباب أصبح يتجنب استخدام مقولة “لأنك حريمة” كما استخدمتها مسلسلات البيئة الشامية بهدف إهانة المرأة أو التقليل من رجولة شخص ما، وبالمقابل حان الوقت لنتجنب استخدام عبارة “لأنك معاق” بهدف شتم وتحقير شخص ما!
لا بد أن نعترف أخيراً أن جزءاً من أزمة المصطلحات هي تلك الشعارات الرنانة التي يستخدمها أصحاب المبادرات المجتمعية لإطلاق مشاريعهم، فاختيار عبارة «همم تعانق القمم» هو شي جميل، لكن الأجمل منه أن نكون واقعيين ونتمكن من صعود الدرج أولاً!